فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا (77)}.
الحقُّ أمضى سُنَّتَه مع الأولياء بالإنعام، ومع أعدائه بالإدغام، فلا لهذه أو هذه تحويل.
{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)}.
الصلاةُ قَرْعُ باب الرزق. والصلاةُ الوقوفُ في محل المناجاة.
والصلاةُ اعتكافُ القلبِ في مشاهد التقدير.
ويقال هي الوقوف على بساط النجوى. وفَرَّقَ أوقات الصلاة ليكون للعبد عَوْدٌ إلى البساط في اليوم والليلة مراتٍ.
{إِنَّ قُرْءَانَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}: تشهده ملائكة الليل والنهار- على لسان العلم. وأَمَّا على لسان القوم فإن قرآن الصبح- الذي هو وقت إتيانه- يُبْعِدُ منَ النومِ وكَسَلِ النفس فله هذه المزية.
{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)}.
الليل لأحدِ أقوام: لطالبي النجاة وهم العاصون مَنْ جَنَح منهم إلى التوبة، أو لأصحاب الدرجات وهم الذين يَجِدُّون في الطاعات، ويسارعون في الخيرات، أو لأصحاب المناجاة مع المحبوب عندما يكون الناس فيما هم فيه من الغفلة والغيبة.
ويقال الليل لأحد رجلين: للمطيع والعاصي: هذا في احتيال أعماله، وهذا في اعتذاره عن قبيح أفعاله، والمقام المحمود هو المخاطبة في حال الشهود، ويقال الشهود.
ويقال هو الشفاعة لأهل الكبائر. ويقال هو انفراده يوم القيامة بما خُصَّ به صلى الله عليه وسلم بما لا يشاركه فيه أحد.
{وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80)}.
أي أدخلني إدخالَ صدقٍ وأَخرجني إخراجَ صدقٍ. والصدق أن يكون دخولُه في الأشياء بالله لله لا لغيره، وخروجه عن الأشياء بالله صلى الله عليه وسلم لا لغيره.
{وَاجْعَل لِىّ مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا}: فلا ألاحظ دخولي ولا خروجي.
{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)}.
أرد بالحقِّ ها هنا الإسلام والدين، وأراد بالباطل الكفر والشِّرْك، والحقُّ المطلق هو الموجود الحق، والحق المقيد ما كان حسنًا في الاعتقاد والفعل والنطق، والباطل نقيض الحق. واللَّهُ حقٌّ: على معنى أنه موجود وأنه ذو الحق وأنه مُحِقُّ الحق.
ويقال الحقُّ ماكان لله، والباطل ما كان لغير الله.
ويقال الحقُّ من الخواطر ما دعا إلى الله، والباطلُ ما دعا إلى غير الله. اهـ.

.قال القرطبي:

باب في الشفاعة العامة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأهل المحشر:
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم يومًا يلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهش منها نهشة فقال: أنا سيد الناس يوم القيامة وهل تدرون بم ذاك يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه ألا ترون ما قد بلغكم ألا تنظرون إلى من يشفع لكم إلى ربكم فيقول بعض الناس لبعض: أئتوا آدم فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أنت أبونا أبو البشر خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي نفسي، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحًا فيقولون: يا نوح أن أول الرسل إلى الأرض وسماك الله عبدًا شكورًا، اشفع لنا إلى ربنا، ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم نوح: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإنه قد كانت لي دعوة دعوت بها على قومي. نفسي نفسي، اذهبوا إلى إبراهيم فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم أنت نبي الله خليله من أهل الأرض اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم إبراهيم: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وذكر كذباته، نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى فيقولون يا موسى: أنت رسول الله فضلك الله برسالته وبتكليمه على الناس اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم موسى: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني قتلت نفسًا لم أؤمر بقتلها نفسي نفسي، اذهبوا إلى عيسى فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى أنت رسول الله وكلمت الناس في المهد وكلمة منه ألقاها إلى مريم وروح منه فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم عيسى إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغصب قبله مثله، ولم يغضب بعده مثله، ولم يذكر ذنبًا. نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيأتون فيقولون: يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء، وغفر الله لك ما تقدم وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا؟ فانطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدًا لربي، ثم يفتح الله علي ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئًا لم يفتحه لأحد غيري من قبلي ثم قال: يا محمد ارفع رأسك، سل تعطه واشفع تشفع، فأرفع رأسي فأقول يا رب أمتي أمتي، فيقال يا محمد أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عيله من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب، والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصري وفي البخاري كما بين مكة وحمير.
فصل:
هذه الشفاعة العامة التي خص بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من بين سائر الأنبياء هي المراد بقوله عليه السلام: لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي. رواه الأئمة البخاري ومسلم وغيرهما، وهذه الشفاعة العامة لأهل الموقف إنما هي ليجعل حسابهم ويراحوا من هول الموقف وهي الخاصة به صلى الله عليه وسلم وقوله: أقول يا رب أمتي أمتي اهتمام بأمر أمته وإظهار محبته فيهم وشفقته عليهم، وقوله: فيقال يا محمد ادخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه يدل على أنه شفع فيما طلب من تعجيل حساب أهل الموقف، فإنه لما أمر بإدخال من لا حساب عليه من أمته، فقد شرع في حساب من عليه حساب من أمته وغيرهم. وكان طلبه هذه الشفاعة من الناس بإلهام من الله تعالى لهم حتى يظهر في ذلك اليوم مقام نبيه صلى الله عليه وسلم المحمود الذي وعده، ولذلك قال كل نبي: لست لها لست لها حتى انتهى الأمر إلى محمد صلى الله عليه وسلم فقال: أنا لها.
وروى مسلم، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجمع الله الناس يوم القيامة فيهتمون لذلك. وفي رواية فيلهمون فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا. قال: فيأتون آدم وذكر الحديث.
وذكر أبو حامد أن بين إتيانهم من آدم إلى نوح ألف عام، وكذا بين كل نبي إلى محمد صلى الله عليه وسلم.
وذكر أيضًا أن الناس في الموقف على طبقات مختلفة وأنواع متباينة بحسب جرائمهم، كمانع الزكاة والغال والغادر على ما يأتي بيانه، وآخرون قد عظمت فروجهم وهي تسيل صديدًا يتأذى بنتنها جيرانهم، وآخرون قد صلبوا على جذوع النيران، وآخرون قد خرجت ألسنتهم على صدورهم أقبح ما يكون، وهؤلاء المذكرون هم الزناة واللوطية والكاذبون، وآخرون قد عظمت بطونهم كالجبال الرواسي وهم آكلوا الربا وكل ذي ذنب قد بدا سوء ذنبه. قاله في كتاب كشف علوم الآخرة، وذكر في آخر الكتاب أن الرسل يوم القيامة على المنابر والأنبياء والعلماء على منابر صغار، ومنبر كل رسول على قدره، والعلماء العاملون على كراسي من نور، والشهداء والصالحون كقراء القرآن والمؤذنون على كبثان من مسك، وهذه الطائفة العاملة أصحاب الكراسي هم الذين يطلبون الشفاعة من آدم ونوح حتى ينتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الفقيه أبو بكر بن برجان في كتاب الإرشاد له: ويلهم رؤوس المحشر ممن يشفع لهم ويريحهم مما هم فيه وهم رؤساء أتباع الرسل فيكون ذلك.
باب ما جاء أن هذه الشفاعة هي المقام المحمود:
الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من نبي يومئذ آدم ومن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر قال:
فيفزع الناس فزعات فيأتون آدم فيقولون أنت أيونا فاشفع لنا إلى ربك فيقول: أنا أذنبت ذنبًا فأهبطت به إلى الأرض ائتوا نوحًا فيقول: إني دعوت على أهل الأرض دعوة فأهلكوا ولكن اذهبوا إلى إبراهيم فيأتون إبراهيم فيقول: إني كذبت ثلاث كذبات، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منها كذبة كذبة إلا ما حل بها عن دين الله ولكن ائتوا موسى فيأتون موسى فيقول: إني قتلت نفسًا ولكن ائتوا عيسى فيقول: إني عبدت من دون الله ولكن ائتوا محمدًا صلى الله عليه وسلم فيأتوني فأنطلق معهم. قال ابن جدعان قال أنس: فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها فيقال من هذا؟ فيقال: محمد فيفتحون لي ويرحبون فيقولون مرحبًا فأخر ساجدًا لله فيلهمني من الثناء والحمد فيقال لي ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع وقل يسمع لقولك وهو المقام المحمود الذي قال الله فيه عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا. قال سفيان: ليس عن أنس إلا هذه الكلمة فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها. قال الترمذي حديث حسن.
وخرجه أبو داود الطيالسي بمعناه عن ابن عباس فقال: حدثنا حماد سلمة قال: حدثنا علي بن زيد عن أبي نضرة قال: خطبنا ابن عباس على منبر البصرة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من نبي إلا وله دعوة كلهم قد تنجزها في الدنيا وإني ادخرت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة ألا وإني سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد تحته آدم صلى الله عليه وسلم ومن دونه ولا فخر، ويشتد كرب ذلك اليوم على الناس فيقولون انطلقوا بنا إلى آدم أبي البشر فيشفع لنا إلى ربنا عز وجل حتى يقضي بيننا الحديث وفيه: فيأتون عيسى عليه السلام فيقولون اشفع لنا إلى ربنا حتى يقضي بيننا فيقول إني لست هنا كم إني اتخذت وأمي إلهين من دون الله ولكن أرأيتم لو أن متاعًا في وعاء قد ختم عليه أكان بوصل إلى ما في الوعاء حتى يفض الخاتم؟ فيقولون: لا. فيقول: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد خصه اليوم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأتيني الناس فيقولون اشفع لنا إلى ربنا حتى يقضى بيننا فأقول أنا لها حتى يأذن الله لمن يشاء ويرضى، فإذا أراد الله أن يقضي بين خلقه نادى مناد أين محمد صلى الله عليه وسلم وأمته؟ فأقوم وتتبعني أمتي غرًا محجلين من أثر الطهور. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنحن الآخرون الأولون وأول من يحاسب ويفرج لنا في الأمم عن طريقنا ويقولون كادت هذه الأمة أن تكون أنبياء كلها وذكر الحديث.
وفي البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن الناس يصبرون يوم القيامة جثيًا كل أمة تتبع نبيها تقول يا فلان اشفع يا فلان اشفع حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود.
وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا سئل عنها قال: هي الشفاعة. قال: هذا حديث صحيح.